• Monday, 20 May, 2024
  • 07:34 PM
الرئيسية العالم

دولة العام 2019: كيف ترى أوزبكستان العالم؟


  • أحمد المسلماني

  • 2021-11-10 14:12:25

الطريق إلى طشقند

زرتُ دولة أوزبكستان قبل أسبوعين، وذلك للمشاركة في الرقابة على الانتخابات الرئاسية في البلاد. قضيتُ أوقاتاً طيّبة في طشقند وسمرقند، وقرّرتُ أن أعود مع عائلتي في وقت لاحق لزيارة ذلك البلد الرائع.

تزيد مساحة أوزبكستان على مساحة ألمانيا، ويقارب عدد سكّانها عدد سكان السعوديّة، وتحتفل البلاد في عام 2021 بمرور 30 عاماً على الاستقلال، وقبل سنوات عُقِدت اتّفاقية توأمة بين القاهرة وطشقند.

قضيتُ في مطار دبي عدّة ساعات قبل المغادرة إلى طشقند، وقد تعرّفتُ في الطائرة على السفير السعودي يوسف العتيبي، الذي عمل قنصلاً عامّاً للسعودية في الإسكندرية، ثمّ أصبح سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في أوزبكستان.

روى لي السفير السعودي تجربته في مصر، وتعلقّه بالإسكندرية، وصداقاته الواسعة هناك، وحدّثني عن سعادته بتسلَّم العمل في أوزبكستان، وعن الاهتمام السياسي والاقتصادي السعوديّ بتوثيق العلاقات بين الرياض وطشقند، ثمّ عن الاستثمار السعودي المتزايد في مجالات عديدة، ولا سيّما في مجالات الطاقة وإنتاج الكهرباء.

في اليوم التالي سعدت بلقاء السفيرة أميرة فهمي سفيرة مصر لدى أوزبكستان، وكان معنا نائب السفيرة الأستاذ محمد السكري، ولقد كانت أمسية دار الحديث خلالها في موضوعات متعدّدة وقضايا مختلفة.

كان الجوّ أقرب إلى البرودة. وفي أوزبكستان يوجد مناخ متطرّف، شديد البرودة شتاءً، شديد الحرارة صيفاً، حيث تهبط درجات الحرارة في الشتاء إلى ما دون الصفر بكثير، وتصعد الحرارة في الصيف إلى نحو خمسين درجة.


طيّبون في بلد طيّب

يعرف العرب الأوزبك من خلال جاليات قديمة زارت أو أقامت في منطقتنا. وفي القاهرة يوجد حيّ الأزبكية، وحديقة الأزبكية، وكان أشهر سوق للكتاب في مصر هو سوق الأزبكية. وعلى نيل القاهرة في حيّ المنيل يوجد تمثال العالم "الفرغاني"، وهو العالِم الأوزبكي الذي نشأ في وادي فرغانة، وقام بوضع مقياس النيل في مصر. وكان الرئيس الأوزبكي السابق إسلام كريموف والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قد قاما بتدشين ذلك التذكار لعالم أوزبكستان الكبير، رمزاً للصداقة والتعاون بين البلدين.

كان في صحبتي طوال الزيارة مترجمون ومرافقون متواضعون ومثقّفون. الدكتور جهانكير عبد الفتاحوف، الذي يعمل في جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، والأستاذ شاهزاد أحمدوف، الذي درس اللغة العربية في مركز الإمام البخاري في سمرقند، ويعمل في معهد اللغات الأجنبية بسمرقند، باتا صديقين جديدين، أعتزُّ بصداقتهما.

المجتمع في أوزبكستان أكثر حضوراً من الفرد. وفي المطاعم التي دخلناها، كان معظم الروّاد من المجموعات، ومن النادر أن يكون على الموائد شخصان أو ثلاثة، بل يبدو الزبائن عادةً وكأنّهم عائلة كبيرة، أو مجموعة أصدقاء خرجوا في ما يشبه الاحتفال.

عصائر الرمّان والكرز هي المشروبات الثابتة في كلّ الموائد، ووجبة "البلوف" هي الأشهر في أوزبكستان. وفي هذا الطبق الشهيّ يجتمع لحم الضأن مع الأرز مع الزبيب ومكوّنات أخرى، تجعل من "البلوف" وجبة أوزبكيّة فريدة.

وفي العادة، عندما يفرغ الأوزبك من الطعام يقومون بالشكر والدعاء لله بصوت جماعيّ مرتفع، وفي مشهد بالغ التأثير والعذوبة. على نحو عامّ الأوزبك أناس طيّبون، وهم يحترمون ضيوفهم، ويعملون بإخلاص على راحتهم، وتعزيز الإعجاب ببلادهم.

زرتُ مسجد مصحف عثمان، وهو معلَم تاريخيّ باهر، وفي غرفة أنيقة منه توجد داخل إطار زجاجي نسخة من مصحف الخليفة الراشد عثمان بن عفّان. وهي نسخة مكتوبة بالخطّ الكوفيّ، وبدون تنقيط، وعدد الأسطر والكلمات في الصفحة الواحدة محدود.

ثمّة خلاف بين المؤرّخين بشأن هذه النسخة المعروفة باسم "مخطوطة سمرقند"، لكنّ أغلبهم يقرّ بأنّها من أقدم النسخ الموجودة للمصحف الشريف على مستوى العالم. وقد قطعت النسخة مراحل عديدة من بغداد إلى سان بطرسبورغ إلى سمرقند، ومن الأسرة التيموريّة إلى "لينين"، إلى مسجد مصحف عثمان في طشقند.

كانت طشقند تُسمّى في أزمنة سابقة "مدينة الشاش"، وفيها عاش "الإمام أبو الشاش" في القرن العاشر الميلادي، وهو عالم فقه وحديث وتفسير، ويُلقّب باسم "الإمام القفّال" نسبة إلى صناعة الأقفال، ويحظى الشيخ بمكانة عظيمة ويُلقّب أيضاً بـ"حضرة الإمام". ولمّا زرت مسجد حضرة الإمام، كان فيه الكثير من الزوّار الأوزبك والأجانب الذين جاؤوا للزيارة والصلاة.

ثمّة مكانة أكبر لدى الأوزبكيّين للصحابيّ الجليل "قسم بن العبّاس بن عبد المطّلب" ابن عمّ الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، والذي زرتُ ضريحه في سمرقند. وتقول الروايات إنّ "قسم بن العبّاس" كان أكثر الناس شبهاً بالرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وقد تولّى نيابة المدينة في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، وشارك في فتح سمرقند، ودُفِن فيها.

في قرية "خرتنك" بسمرقند زرتُ مركز الإمام البخاري، حيث يوجد ضريح البخاري. والمركز يتشكَّل من عدّة أبنية رائعة، في واحد منها تصوير على الجدران لرحلة الإمام البخاري بدءاً من أوزبكستان حتى عودته إليها من جديد، وقد روى لنا مدير المركز الدكتور "براءة من الله"، الذي يتحدّث العربيّة جيّداً، قصّة المكان والزمان.

من الصّادم أنّه في عام 2015، قام تنظيم داعش بالتخطيط للهجوم على هذا المركز، وتفجير ضريح الإمام البخاري، وقد لقيت دعوة داعش تفاعلاً على صفحات التواصل من عدد من المتطرّفين الذين أيّدوا فكرة التنظيم الإرهابي، وحين اعتقلت السلطات في أوزبكستان عناصر التنظيم، اعترف المعتقَلون بالإعداد لتفجير الضريح، وكان ذلك بعد عام واحد من قيام داعش بتفجير ضريح النبي يونس عليه السلام في صيف عام 2014. وفي آذار 2020، قام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر بزيارة مركز الإمام البخاري، وسط استقبال كبير، وكان ذلك تعظيماً للوسطيّة الإسلامية في مواجهة الجماعات الإرهابية وقطعان المتطرّفين.

دولة العام

في عام 2016، تولّى الرئيس شوكت ميرضيائيف السلطة في أوزبكستان. وقد حقّق الرئيس إنجازات عديدة، ويمكن للزائر أن يشهد حركة عمران واسعة داخل العاصمة وخارجها. ولقد نجحت سياسات الرئيس ميرضيائيف إلى الحدّ الذي جعل مجلّة "إيكونوميست" تختار أوزبكستان "دولة العام" في عام 2019، وكان ذلك تقديراً كبيراً للتجربة الإصلاحية للرئيس ميرضيائيف.

 قام الرئيس بتعزيز الحرّيات الدينية في بلاده. وبسبب جهوده، رُفِع اسم أوزبكستان من قائمة الدول التي تناهض الحريّات الدينية. وألغى قوانين العمل التي كانت تخالف القانون الدولي، ووضع حدّاً للعمل القسريّ في حقول القطن، واستحقّ على ذلك إشادات دولية عديدة.

في تشرين الأول 2021، جرت الانتخابات الرئاسية في أوزبكستان. وقد خاض الانتخابات أربع شخصيّات في مواجهة الرئيس، الذي فاز بنسبة 80% من الأصوات. كنتُ ضمن الوفد المصري الذي شارك في الرقابة على الانتخابات، والذي تشكَّل من عدد من الأصدقاء النوّاب في البرلمان المصري: عبد الهادي القصبي، محمود مسلم، وعماد الدين حسين، الذين سعدتُ بصحبتهم على مدار الرحلة.

زرتُ لجاناً انتخابية في سمرقند، واحدة في أحد المسارح، وثانية في إحدى الجامعات. وكان الأداء الانتخابي جيّداً، وكان التنظيم متميّزاً، ولقد وجدتُ مساحة كبيرة من الرِّضا لدى مَن تحدّثت معهم داخل اللجان وخارجها.


آسيا المركزيّة

التقيتُ في طشقند الدكتور نادر عبد الله، نائب رئيس جامعة طشقند للدراسات الشرقية، وزرتُ مركزيْن للدراسات الاستراتيجيّة، وكان اللقاء مع الخبراء والباحثين مفيداً جدّاً. في "المعهد الدولي لآسيا المركزية"، الذي يقع في مبنى تاريخي كبير وأنيق، ويعمل فيه 40 باحثاً، التقيتُ نائب مدير المركز وعدداً من الخبراء، وكان أحدهم قد عمل مستشاراً للرئاسة وسفيراً لدى باكستان. وفي معهد الدراسات الإقليمية في رئاسة الجمهورية، التقيتُ نخبة أخرى من الباحثين. وكان الجزء الأكبر من الحديث في المركزين يدور حول رؤية أوزبكستان لنفسها، ورؤيتها لآسيا المركزية، وتطوّرات الوضع في أفغانستان.

لا تعترف أوزبكستان بسلطة "طالبان"، لكنّها لا تريد أن يترك العالم أفغانستان في حالة عزلة، بل تقوم بجهود كبيرة من أجل جمع المساعدات وإيصالها إلى الشعب الأفغاني. وترى أنّ عزل أفغانستان سيخلق أزمة إنسانية كبرى، ستتحوّل بدورها إلى أزمة سياسية وأمنيّة، ولا سيّما أنّ 22 كياناً إرهابياً، من بين 28 كياناً إرهابياً في العالم، لها وجود في أفغانستان.

قامت أوزبكستان بترسيم معظم حدودها، وحلّت الكثير من مشكلات المياه والكهرباء مع جيرانها. تريد أوزبكستان التي تمتلك عاشر احتياط من النحاس في العالم، وسابع احتياط من اليورانيوم، ورابع احتياط من الذهب، أن تصبح عنواناً للسلام والتنمية. يريدون الجمع بين القيم والتقدّم، بين الأصالة والمعاصرة، وبين المسجد والحداثة. يرى البعض أنّ التحدّيات أمام طشقند كبيرة جدّاً، ويرى الشعب أنّ "أوزبكستان تستطيع".

 

نقلاً عن صحيفة "أساس" اللبنانية



كلمات دالة

طشقند، شوكت ميرضيائيف، انتخابات وزبكستان 2021

أحمد المسلماني


مؤسس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية

تواصل معنا

الكتاب

أحمد المسلماني

الكاتب السياسي والمستشار السابق لرئيس الجمهورية

مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية

متابع جديد

الموقع الأفضل للبحوث والدراسات الاستراتيجية