ضباب الحرب.. 11 درسًا من حياة روبرت ماكنمارا
نصّ وثائقي" The Fog of War- eleven lessons from the life of Robert Mcnamara"
الشركة المنتجة: Sony Pictures Classics""
التاريخ: 2003
السيد روبرت ماكنمارا هو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق والأشهر، شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيسين جون كينيدي وليندون جونسون. وفي خلال فترته تصاعدت أحداث حرب فيتنام.
درس ماكنمارا في "بيركلي" و"هارفارد"، وعمل رئيسًا لشركة فورد ثم وزيرًا للدفاع ثم رئيسًا للبنك الدولي. وقد شارك في أعمال القتال في الحرب العالمية الثانية، ثم شهد احتمالات الحرب النووية في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية وبعدها.
وفي هذا الوثائقي يتحدث عن رؤيته لما كان.. حين كان في الثمانينيات من العمر، قبل أن يرحل عام 2009 عن (93) عامًا.
إن قراءة هذا النص مهم للغاية للباحثين والدارسين وصناع القرار.
* * *
أي قائد عسكري صادق مع نفسه، أو مع الذين يتحدث معهم.. سيقرّ بأنه قد ارتكب أخطاءً عند استخدم السلطة العسكرية. قتل أشخاصًا.. بلا مبرر.. سواءً كانوا من قواته أو من القوات الأخرى.. عن طريق الخطأ أو بسبب سوء التقدير.. مئات.. أو آلاف.. أو عشرات الآلاف.. أو ربما مئات الآلاف. لكنه لم يدمر الأمم.. والحكمة المعروفة تقول: لا ترتكب الخطأ ذاته مرتين. ينبغي أن تتعلم من أخطائك.
وهذا هو حال الجميع.. ربما نرتكب الخطأ ذاته ثلاث مرات.. لكن نأمل ألا نقع فيه أربع وخمس مرات. لن تكون هناك فترة للتعلم فيما يتعلق بالأسلحة النووية. إن ارتكبت خطأً واحدًا، فسوف تدمر الأمم.
خلال حياتي، شاركت في حروب. أمضيت ثلاث سنوات في الجيش الأمريكي في أثناء الحرب العالمية الثانية.. ثم وزيرًا للدفاع لمدة سبع سنوات في أثناء حرب فيتنام.. و(13) عامًا في البنك الدولي عبر العالم. وفي عمري الآن.. 85 عامًا.. أصبحت في سن حيث يمكنني النظر للماضي واستخلاص بعض النتائج فيما يتعلق بأفعالي.
كان مبدئي في الحياة "حاول أن تتعلم".. "حاول أن تفهم ما حدث".. "قم بتطوير الدروس المستفادة ومررها لغيرك".
ميكانمارا والبنتاجون - أخبار CBS
سيدي الوزير.. لقد لاحظت في عدد من مكاتب الوزارات هذه المفكرة الفضية الصغيرة.. هل يمكنك شرح ذلك؟
لقد قدم لي رئيس كينيدي إياها.. على المفكرة نقشت التواريخ التالية: 16 أكتوبر و17 و18 و19 و20 و21 و22 و23 و24 و25 و26 و27 وأخيرًا 28.. وهى التواريخ التي رفضنا فيها خوض حرب نووية
الدرس الأول: تعاطف مع عدوك
تحت ظل الخداع، جلب الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية إلى كوبا.. مستهدفًا (90) مليون أمريكي.. قالت وكالة الاستخبارات الأمريكية إن الرؤوس النووية لم تُسلَّم بعد.. واعتقدوا أن هناك (20) منها قادمة على متن سفينة تدعي بولتافا.. قمنا بنشر (180) ألف جندي. كانت الغارة الجوية الأولى التي تم التخطيط لها مؤلفة من (1080) طلعة.. غارة جوية هائلة.
16 أكتوبر 1962
روبرت ماكينمارا: علينا القيام بأمرين برأي. أولاً.. علينا وضع خطة هجوم محددة. الأمر الثاني الذي يتوجب علينا القيام به هو النظر في العواقب.
لا أعرف ما نوع العالم الذي سنعيش فيه بعد أن نضرب كوبا. كيف نتوقف عند هذه النقطة؟ لا أعرف الجواب على ذلك.
كينيدي: تزداد احتمالات أن يتحول هذا إلى معركة أوسع نطاقًا.. كلما تصاعد الامر.. متحدثين عن الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة
كان كينيدي يحاول تجنيبنا الحرب.. كنت أحاول مساعدته في تجنيبنا الحرب.. والجنرال كورتيس لوماي الذي خدمت تحت إمرته - في الواقع - في أثناء الحرب العالمية الثانية كان يقول: "لنهجم.. لندمرّ كوبا تمامًا".
في ذلك السبت الحاسم.. يوم 27 أكتوبر.. كانت أمامنا رسالتان من خروشوف. وردت إحداهما ليلة الجمعة.. وقد أُمليّت من قبل رجل كان إما ثملاً أو واقع تحت ضغط هائل.. وكانت تقول بالأساس: إن ضمنتم عدم اجتياح كوبا.. سوف نخرج الصواريخ منها.. ثم قبل أن نتمكن من الرد، وردتنا رسالة ثانية.. تم إملاؤها من قبل مجموعة من الأكثر تشددًا. وورد فيها - في الواقع: إن هاجمتم.. فنحن مستعدون لمواجهتكم بحشود عسكرية مكثفة.
إذًا، ما العمل؟ كانت لدينا الرسالة الناعمة والرسالة الصلبة.
إلى جانب الرئيس كينيدي.. كان هناك تومي تومسون.. سفير الولايات المتحدة السابق في موسكو.. هو وزوجته جين.. عاشا - بالمعني الحرفي - فترة من الزمن مع خروشوف وزوجته. قال تومي تومسون: سيدي الرئيس.. أحثك على أن ترد على الرسالة الناعمة. قال الرئيس لتومي: لا يمكننا فعل ذلك.. لن يجدي ذلك نفعًا. قال تومي: سيدي الرئيس.. أنت مخطئ. يتطلب هذا كثير من الجرأة.
27 أكتوبر 1962
جون كينيدي: غالبًا لن نخرج هذه الأسلحة من كوبا على أي حال من خلال المفاوضات
تومسون: سيدي الرئيس.. أنا غير موافق. أعتقد أنه لاتزال هناك فرصة
كينيدي: بأن يتراجع؟
تومسون: يبدو بالنسبة لي أن أهم شئ لخروشوف أن يتمكن من قول "أنا أنقذت كوبا.. لقد أوقفت الهجوم"
كان هذا التفكير سائدًا في ذهن تومسون.. أوقع خروشوف نفسه في مأزق. ثم إنه يفكر في نفسه.. يا إلهي.. إن تمكنت من الخروج من ذلك المأزق عبر اتفاق.. بحيث يمكنني أن أقول للشعب الروسي، كان كينيدي يعتزم تدمير كاسترو، وحلت أنا دون ذلك.
تومسون.. بناءً على معرفته بخروشوف.. فكر بأن خروشوف سوف يقبل ذلك. وكان تومسون محقًا. هذا ما أدعوه بالتعاطف. علينا أن نحاول وضع أنفسنا مكانهم.. وأن ننظر إلى أنفسنا من خلال أعينهم.. لفهم التفكير الكامن خلف قراراتهم وأفعالهم.
كان مستشارو خروشوف يقولون: لا يمكن التوصل إلى اتفاق.. إلّا إذا خففتم الضغط علينا.. بينما تطلبون أن نخفف الضغط عليكم.
لقد حاولنا أيضًا اجتياح كوبا.
حسنًا مع خليج الخنازير.. كان لذلك أثر بلاشك، أعتقد أن هذا صحيح. لكن الأهم من ذلك، من وجهة نظر الكوبيين والروس.. أنهم كانوا يعرفون ما كنت أجهله نوعا ما.. أننا حاولنا اغتيال كاسترو.. تحت قيادة أيزنهاور وكينيدي.. ولاحقًا في أثناء ولاية جونسون. إضافة إلى ذلك، كان المسئولون الكبار في الولايات المتحدة ينادون بالاجتياح.
في الرسالة الأولى.. قال خروشوف هذا: نحن وأنتم كلانا.. يجب ألّا نشد طرفي الحبل.. حيث عقدتم أنتم عقدة الحرب.. لأنه كلما اشتد الجذب من جهة.. ستصبح العقدة محكمة أكثر.. وعندئذ سيكون من الضروري قص تلك العقدة.. ولا يلزم علىّ شرح معني ذلك لكم.
لقد خضت حربين.. وأعرف أن الحرب تنتهي.. بعد أن تكون قد اجتاحت المدن والقرى.. حيث تنشر الموت والدمار في كل مكان.. لأن هذا هو منطق الحرب. إن لم يتمتع الناس بالحكمة.. سيتصادمون مثل كرات الصنوبر.. ثم يبدأ الدمار المتبادل.
الدرس الثاني: لن تنقذنا العقلانية
أريد أن أقول، وهو أمر مهم للغاية: في النهاية، لقد حالفنا الحظ. لقد كان الحظ هو ما جنبنا الحرب النووية. كنّا على قيد أنملة من الحرب النووية آنذاك. الأشخاص المتعقلون.. كان كينيدي متعقلاً.. خروشوف كان متعقلاً.. كاسترو كان متعقلاً.. كان الأشخاص المتعقلون على قيد أنملة من التسبب بالدمار الشامل في مجتمعاتهم. وهذا الخطر لايزال موجودًا اليوم.
الدرس الأساسي من أزمة الصواريخ الكوبية هو هذا: أن المزيج غير المحدد من قابلية البشر للخطأ وكذلك الأسلحة النووية سيدمر الشعوب. هل من الصائب واللائق.. أن يكون هنالك اليوم (7500) رأس نووي استراتيجي.. من بينها (2500) متأهبًا على مدار اليوم ليتم إطلاقه بقرار من شخص واحد.
في يناير 1992، في اجتماع ترأسه كاسترو في هافانا في كوبا.. علمت أن (162) رأس نووي.. تتضمن (90) رأسًا تكتيكيًا.. كانوا موجودين على الجزيرة في ذلك الوقت.. في تلك الفترة الحساسة من الأزمة. لم أستطع أن أصدق ما أسمعه.. وغضب كاسترو مني.. لأنني قلت: سيدي الرئيس.. لنوقف هذا الاجتماع.. هذا جديد تمامًا بالنسبة لي.. لست متأكدًا من أنني حصلت على الترجمة الصحيحة. سيدي الرئيس.. لدى ثلاث أسئلة لك. الأول: هل كنت على علم بوجود الرؤوس النووية؟.. الثاني: إن كنت تعلم ذلك.. هل كنت لتنصح خروشوف باستخدامها لمواجهة هجوم الولايات المتحدة؟ الثالث: إن قام باستخدامها.. ماذا كان سيحل بكوبا؟
قال: أولاً.. كنت أعلم بوجودها هناك. ثانيًا.. ما كنت لأنصح خروشوف باستخدامها.. لقد نصحته باستخدامها بالفعل.. ثالثًا.. ماذا كان سيحل بكوبا؟ كانت لتُدمر تمامًا.
كنّا قريبين إلى هذا الحد من الحرب.
وهل كان مستعدًا لقبول ذلك؟
نعم.. وعلى أي حال.. قال: سيد ماكينمارا.. إذا كنت والرئيس كينيدي في موقف مماثل، هذا ما كنتما ستفعلاه. قلت: سيدي الرئيس.. آمل أننا ما كنا لنفعل ذلك. نهدم المعبد على رؤوسنا؟! رباه.
إلى حد ما .. فزنا.. أخرجنا الصواريخ من دون حرب. نائبي وأنا أحضرنا رؤساء الأركان الخمسة.. وجلسنا مع كينيدي.. وقال: يا سادة.. لقد فزنا. لا أريدكم أن تقولوا هذا أبدًا.. لكنكم تعرفون أننا فزنا.. وأعرف أننا فزنا.
قال لوماي: اللعنة.. لقد خسرنا.. يجب أن نهجم ونقضي عليهم اليوم. كان لوماي يعتقد أننا في النهاية سنواجه هؤلاء الناس من خلال صراع بالأسلحة النووية. وبحق الرب.. من الأفضل أن نفعل ذلك ونحن نتمتع بتفوق أكبر.. قبل ألّا يكون لدينا في المستقبل.
في ذلك الوقت، كانت لدينا الأفضلية الاستراتيجية بنسبة (17) لواحد فيما يتعلق بالأرقام النووية.. أجرينا اختبارات أكثر منهم بعشرة أضعاف. كنّا متأكدين من أننا قد نحتفظ بميزة.. إن قمنا بخفض الاختبارات. كان رؤساء الأركان معارضين.. قالوا سوف يغش السوفييت. قلت: كيف سيغشون؟.. لن تصدق هذا.. قالوا: سيختبرونها خلف القمر. قلت: أنتم مجانين. هذا سخيف.
إنه شبه مستحيل بالنسبة لشعبنا اليوم.. أن يتصوروا أنفسهم وقد عادوا لتلك الفترة. خلال السبع سنوات التي شغلت فيها منصب الوزير.. كنّا على قيد أنملة من خوض حرب مع الاتحاد السوفيتي في ثلاث مناسبات مختلفة. 24
ساعة في اليوم.. 365 يوم في السنة.. خلال سبع سنوات التي توليت فيها منصبي كوزير للدفاع، عشت الحرب الباردة.
في أثناء ولاية كينيدي.. صمموا قنبلة تصل إلى (100) ميجاطن.. تم اختبارها في الجو.. أذكر هذا. الحرب الباردة؟! اللعنة.. كانت حربًا ساخنة.
أعتقد أن الجنس البشري لابد وأن يفكر أكثر فيما يتعلق بالقتل.. النزاع.. هل هذا هو ما نريده في القرن الحادي والعشرين؟
* * *
أول ما أذكره.. هى مدينة تضج بالفرح.. كان ذلك في نوفمبر 1918.. كنت في الثانية من عمري.. ربما لن تصدقوا أنني أذكر ذلك.. لكنني بالفعل أذكره. أذكر أن أسطح السيارات في الشوارع.. كانت تعج بالناس.. يهللون ويتبادلون القبلات ويصرخون.. كانت نهاية الحرب العالمية الأولى. وكنّا قد فزنا. لكنهم كانوا كذلك يحتفلون بمعتقد كثير من الأمريكيين، وخاصة وودرو ويلسون.. وهو أننا خضنا حربًا ستكون خاتمة الحروب. كان حلمه أن يتمكن العالم من تجنب الحروب الكبيرة في المستقبل.. ستُحل النزاعات بين الدول الكبرى.
أتذكر أيضًا أنه كان محظورًا علىّ أن أخرج للعب مع أصدقائي بدون وضع قناع.. كان هناك وباء إنفلونزا مخيف.. قضى عدد كبير من الأمريكيين نحبهم.. (600) ألف أمريكي.. والملايين عبر العالم.
كان صفي في السنة الدراسية الأولى مكانًا في كوخ.. كوخ خشبي.. لكن كانت لدينا معلمة مذهلة.. وكانت هذه المعلمة تجري اختبارًا للصف كل شهر.. وكانت تعيد ترتيب جلوس التلاميذ وفقًا لنتائج هذا الاختبار. كانت هناك صفوف عمودية.. وكانت تضع الشخص ذو الدرجة الأعلى في المقعد الأول من الصف الأيسر.. وعملت بكل جهد لكي أكون في هذا المقعد الأول. كانت الأغلبية من زملائي في الصف من البيض.. من البروتستانتيين البيض.. الأنجلو ساكسونيين إن صح القول.. لكن منافسيّ على المقعد الأول كانوا صينيين ويابانيين ويهود.
يومي السبت والأحد لم أكن ألعب مع رفاقي في الصف. كانوا يرتادون المدارس الإثنية.. وكانوا يتعلمون لغتهم الأم.. يتعلمون ثقافتهم وتاريخهم.. ثم يعودون يوم الاثنين عاقدين العزم على إنهاء على مسيرتهم.. لكنهم لم ينجحوا غالبًا في ذلك..
نعتك أعضاء الكونجرس، بالسيد ماكينمارا الذي يمتلك الأجوبة كلها.. وألمح بعض أعضاء الكونجرس إلى صعودك.. وعلى الرغم من خبرتهم.. مستعدًا لإعطائهم الدروس.. هل هذا ما تفعله؟
ربما لا يعلمون.. كم أجهل من الأمور.. وهى كثيرة في واقع الأمر.. أبذل قصارى جهدي لأعد نفسي بشكل لائق لمناقشات الكونجرس هذه.. أعتقد أنني ربما أمضيت (100) او (120) ساعة في الشهادة أمام الكونجرس كل عام.. وتتطلب كل ساعة شهادة من (3) إلى (4) ساعات من التحضير..
ماذا عن الإدعاء بأنك تتصرف بتعجرف في بعض الأحيان.. وكأنك لم ترتكب خطأً أبدًا.. هل أخطات يومًا سيدي؟
نعم.. فعلاً.. يا إلهي. لن أخبرك متى أخطأت. إن كنت لا تعرف.. فلن أخبرك.. إنها مرات لا تحصى.
* * *
تقدمت للدراسة في جامعة ستانفورد.. رغبت بشدة في ارتيادها.. لكنها كانت تفوق قدراتي المادية.. لذا عشت في موطني وذهبت إلى بيركلي. كانت الرسوم الدراسية (52) دولار سنويًا. بدأت في ارتياد بيركلي.. في ذروة أزمة الكساد.. كان هناك (25) مليون عامل ذكر بلا عمل.. من بين أعضاء الصف البالغ عددهم (3500).. تم انتخاب ثلاثة للانضمام إلى فاي بيتا كابا في نهاية السنة الثانية.. من بين الثلاثة.. حظى واحد بمنحة رودز، وارتدت أنا هارفارد.. والثالث وجد عملاً مقابل (65) دولار شهريًا.. وكان سعيدًا للغاية لحصوله على الوظيفة.
كان على المجتمع على حافة.. لا أريد أن أقول ثورة.. لكن، لو لم يقم روزفلت ببعض الأمور التي فعلها.. لاتسم الوضع بعنف أكبر بكثير.. بأي حال.. كان هذا ما شهدته.
لم أسمع قط بأفلاطون وأرسطو.. قبل أن أصبح في السنة الأولى في بيركلي.. وأذكر البروفيسور لوينبيرج.. أستاذ الفلسفة في الصف الأول.. كنت أتوق إلى الذهاب إلى فصل إضافي.
* * *
الدرس الثالث: ثمّة ما يتعدى ذات المرء
حضرت فصول فلسفة أكثر.. لا سيما صفّ للمنطق.. وآخر للأخلاقيات.. التشديد على القيم.. كل ما يتعدى الذات.. والمسئولية تجاه المجتمع. بعد التخرج هنا في كالفورنيا.. ارتدت كلية الأعمال في جامعة هارفارد للخريجين لمدة عامين.. ثم عدت بعدئذ إلى سان فرانسيسكو.. بدأت بمواعدة شابة التقيتها عندما كنّا في (17) من العمر.. في أول سنة في جامعة بيركلي.. مارجريت كريج.. وبدأت أحرز تقدمًا بعد (8) أو (9) أشهر.. تقدمت لطلب يدها وقبلت. كان أن ذهبت مع خالتها ووالدتها في رحلة عبر البلاد.. وأرسلت لي برقية تقول فيها: علىّ أن أطلب بطاقات دعوة منقوشة.. لإدخال اسمك الأوسط.. ما هو؟ وأرسلت لها برقية بالرد.. اسمي الأوسط هو سترينج (Strange) (ترجمة: غريب) .. قالت: أعلم أنه "غريب" ولكن ما هو؟. قلت: حسنًا، أعني أن الاسم هو "سترينج".. ادعى روبرت سترينج ماكينمارا. وكان زواجًا رائعًا.
في آخر السنة الأولى.. رزقنا بطفلنا الأول. كانت تكلفة الولادة (100) دولار.. وقد دفعناه (10) دولار شهريًا. كانت أسعد أيام حياتنا. ثم نشبت الحرب.. كنت قد ترقيت إلى أستاذ مساعد.. وكنت المساعد الأصغر سنًا في هارفارد. وكان أجرى - بالمناسبة - (4000) دولار سنويًا.
كان سوق كلية الأعمال في هارفارد ينضب.. كان الذكور إما يُجنّدون أو يتطوعون.. لذا قام العميد - وكان بعيد النظر - بإحضار عقدًا حكوميًا لتأسيس كلية ضباط لما سُمى بالمراقبة الإحصائية في سلاح الجو.
قلنا لن نقبل بكل من ترسلونه إلى هنا.. سنختار الأشخاص.. هناك بطاقة مثقّبة لكل شخص تم إحضاره إلى سلاح الجو.. وندخل هذه البطاقات المثقّبة في آلات آي بي إم للفرز.. ويتم الفرز وفقًا للعمر والتعليم والإنجازات والعلامات.. الخ. كنّا نبحث عن الأفضل والأذكى.. أفضل العقليات.. أفضل القدرات القيادية.. أفضل الأحكام..
* * *
كانت الولايات المتحدة قد بدأت القصف للتو.. كنّا نقصف في النهار.. كان معدل الخسائر مرتفعًا للغاية.. لذا طلبوا دراسة.. وماذا وجدنا؟.. وجدنا أن معدل إحباط العمليات كان (20%).. (20%) من الطائرات التي كانت تقلع من إنجلترا لقصف أهداف في ألمانيا.. كانت تعود قبل بلوغ الأهداف.. كانت الفوضى عامة.. خسرنا (20%) من قدرتنا. أعتقد أنهم كانوا يطلقون "فورم 1" أو ما شابه على تقرير المهمة. وإن قمت بإحباط عملية.. عليك أن ترفع تقريرًا بالسبب. لذا أحضرنا كل هذه الأمور ودرسناها.. واستنتجنا في النهاية: كان ذلك هراء. لقد كانوا يحبطون العمليات نتيجة الخوف.. لأن معدل الخسائر كان (4%) من كل طلعة. كانت جولة القتال مؤلفة من (25) طلعة.. لم يكن معنى ذلك أن (100%) سوف يقتلون.. لكن كان معناه أن عددًا كبيرًا سيقتل.. لقد عرفوا ذلك.. ووجدوا أسبابًا لعدم بلوغ الهدف. بالتالي رفعنا تقريرًا بذلك.
كان كورتس لوماي أحد القادة.. كان الكولونيل المسئول عن قيادة الفرقة (B-24). كان أفضل قائد معارك عرفته في أثناء الحرب. لكنه كان يحب القتال بشدة، واعتبره كثيرون وحشيًا. ورده التقرير.. وأصدر أمرًا. قال: سأكون في الطائرة الرائدة في كل مهمة. أي طائرة ستقلع سوف تبلغ الهدف، وإلّا فسيحاكم الطاقم عسكريًا. انخفض معدل الإحباط بين ليلة وضحاها. كان ذلك هو نوع القائد الذي اتسم به.
* * *
سيداتي وسادتي.. رئيس الولايات المتحدة.. أصدقائي
في عشية عيد الميلاد هذه.. هناك أكثر من (10) مليون رجل في القوات المسلحة في الولايات المتحدة وحدها.. منذ عام مضى، كان هناك مليون و(700) ألف يخدمون عبر البحار. بحلول الأول من يوليو القادم.. سيرتفع هذا الرقم ليتخطى الـ(5) مليون. هناك الكثير من الأخبار السيئة لليابانيين في المستقبل القريب.
* * *
الدرس الرابع: عظّم الكفاءة
أطلق سلاح الجو الأمريكي طائرة جديدة.. وكان اسمها (B-29).. كانت الطارات (B-17) و(B-24) في أوروبا تقصف من ارتفاع (15) أو (16) ألف قدم. وكانت المشكلة أنها تتعرض للقصف المضاد.. وللطائرات المقاتلة.
ومن الرائع أن تلك الطائرة (B-29) كانت مصنعة لتقصف من علو مرتفع.. واعتقدنا أن بإمكاننا تدمير الأهداف بفعالية أكبر.
كان قد تم إعادتي من قوة الجو الثامنة.. وتم تكليفي بقيادة أول طائرة (B-29) في جناح القصف (58). توجب علينا أن نطير بهذه الطائرات من القواعد في كنساس وحتى الهند. ثم وجب أن نزودها بالوقود في ظروف سيئة للوصول إلى الصين.
قام العمال الصينيون ببناء المطارات. كانت عملية جنونية. لازلت أذكر كيف كانوا يجرون المحدلات الضخمة لسحق الحجارة وتمهيد الطريق. كان البعض ينزلق.. وكانت المحدلة تمر من فوقه.. وكان الجميع يضحك.. ثم يتابع العمل. كان من المفترض أن نأخذ تلك الطائرات (B-29).. ولم يكن هناك من طائرات تحمل خزانات.. ووجب علينا أن نزودها بالوقود.. والتحليق من الهند إلى تشينغدو والتخلص من الوقود ثم العودة إلى الهند.. والقيام بمهام كافية للتزود بالوقود في تشينغدو.. والتحليق إلى ياواتا في اليابان، وقصف مصانع الفولاذ والعودة إلى الهند.
لم نتمرن كثيرًا على هذه المشكلة.. وتعظيم الكفاءة.. واكتشفنا أنه لإعادة بعض الطائرات (B-29).. بدلاً من التخلص من الوقود.. وجب علينا إعادته. باختصار.. لم تكن بذات الأهمية. وكان لوماي هو من توصل إلى هذا الاستنتاج، وجعل قادة الأركان ينقلون كل شئ إلى مارياناس.. الأمر الذي دمر اليابان.
كان لوماي يركز على شئ واحد فقط: تدمير الهدف. كان يمكن لمعظم جنرالات سلاح الجو أن يحددوا كم طائرة أسقطوا.. كم طنًا من القنابل ألقوها.. أو ما شابه. لكنه كان الشخص الوحيد الذي عرفته في قيادة سلاح الجو الذي ركز على خسارة طاقمه مقارنة بوحدة تدمير الهدف.
* * *
كنت على جزيرة غوام.. تحت قيادته.. في مارس 1945. في تلك الليلة المنفردة، أحرقنا حتى الموت.. (100) ألف ياباني مدني في طوكيو.. من الرجال والنساء والأطفال..
هل كنت تدرك أن ذلك سوف يحدث؟
حسنًا، كنت جزءًا من آلية.. نصحت بذلك إن جاز القول.
قمت بتحليل عمليات القصف.. وكيفية زيادة فعاليتها.. بمعنى.. أنها لم تكن الفعالية من حيث قتل عدد أكبر من الأشخاص.. إنما أكثر فعالية لإضعاف العدو.
وضعت أحد التقارير، حللت فيه فعالية عمليات الطائرات (B-29). يمكن للطائرة (B-29) التحليق في ارتفاع أعلى من المقاتلة ومن الدفاع الجوي.. لذا معدل الخسارة ينبغي أن يكون أقل كثيرًا. لكن المشكلة كانت تكمن في أن الدقة كانت أقل كثيرًا أيضًا.
لا أريد أن أقول إن تقريري هو الذي أدي إلى.. سأدعوها القنابل الحارقة.. لا أزيح اللوم عن نفسي.. أو ألوم نفسي على القنابل الحارقة. لا أريد أن ألمح إلى أنني من كنت أوحى إلى لوماي بأن عملياته كانت غير فعالة البتة.. ويجب تغييرها جذريًا. لكن - بأى حال - كان هذا هو ما فعله. لقد أنزل الطائرات (B-29) حتى ارتفاع (5) آلاف قدم.. وقرر إلقاء القنابل الحارقة.
* * *
شاركت في استجواب طاقم قاذفات القنابل (B-29) الذي عاد تلك الليلة. غرفة مليئة برجال الطاقم والمستجوبين من الاستخبارات. نهض طيار.. شاب.. وقال: اللعنة، أود أن أعرف من ذلك السافل الذي أخذ طائرته العظيمة المصممة لإلقاء القنابل من ارتفاع (23) ألف قدم، وأنزلها حتى (5) آلاف قدم.. ففقدت مساعدي.. لقد أُردي وقتل.
كان لوماي يتكلم بشكل متقطع.. لم أسمعه قط يقول أكثر من كلمتين على التوالي.. كان بالأساس يقول: نعم، لا، نعم، هذا هو كل شئ، أو اللعنة على هذا.. كان هذا هو كل ما يقول. وكان لوماي يرفض النقد بشكل قاطع. لم يفتح حديثًا مع أحد قط.
وقف لوماي: لمَ نحن هنا؟.. أنت فقدت مساعد طيّار.. هذا يؤلمني بقدر ما يؤلمك.. لقد أرسلته إلى هناك.. وكنت هناك. أعرف كيف كان الأمر.. لكنك فقدت مساعد طيار واحد فقط.. ودمرنا طوكيو. تم إحراق (50) ميلًا مربعًا من طوكيو.. كانت طوكيو مدينة خشبية.. وألقينا قنابل حارقة فأحرقتها وحسب..
* * *
الدرس الخامس: يجب أن تكون التناسبية خطًا توجيهيًا في الحرب
خيار إلقاء القنابل الحارقة.. من أين أتى؟
أعتقد أن المسألة.. ليست مسألة القنابل الحارقة.. أعتقد أن المسألة هى.. من أجل الفوز بالحرب، هل عليك قتل (100) ألف نسمة في ليلة واحدة؟ سواء كان ذلك بالقنابل الحارقة أو بطريقة أخرى؟.. سيكون جواب لوماي بوضوح: نعم.
هل تعني أنه بدلاً من قتل (100) ألف نسمة.. وإحراق (100) ألف ياباني مدني حتى الموت في تلك الليلة.. وجب أن نحرق عددًا أقل أو لا نقتل أحدًا؟ وأن نجعل جنودنا يعبرون شواطئ طوكيو ويتعرض عشرات الآلاف منهم للذبح؟ هل هذا ما تقترحه؟ هل هذه هى الأخلاقيات؟ هل هذه هى الحكمة؟
ما ضرورة إلقاء القنبلة النووية إن كان لوماي يحرق اليابان؟ وانتقل من قصف طوكيو بالقنابل الحارقة إلى قصف مدن أخرى.. (58%) من يوكوهاما.. يوكوهاما هى بحجم كليفلاند تقريبًا.. تم تدمير (58%) من كليفلاند.. طوكيو بحجم نيويورك تقريبًا.. تم تدمير (51%) من نيويورك.. (99%) مما يضاهي تشاتانوغوا، كانت توياما.. (40%) من مدينة تضاهي لوس أنجلوس.. وكانت ناغويا.. تم فعل هذا كله من قبل. قبل إلقاء القنبلة النووية. وبالمناسبة.. لقد أُلقيت بأمر من لوماي. يجب أن تكون التناسبية خطًا مرشدًا في الحرب.
قتل عدد يتراوح ما بين (50%) و(90%) من الشعب في (67) مدينة يابانية.. ثم إلقاء قنبلتين نوويتين عليهم.. ليس أمرًا نسبيًا بالنسبة للبعض.. مقارنة بالأهداف التي كنّا نحاول تحقيقها.
لا أُخطّئ ترومان لإلقاء القنبلة النووية.. كانت الحرب الأمريكية اليابانية من أكثر الحروب وحشية في تاريخ الإنسانية.. طيّارو كاميكازي.. انتحارات.. شئ غير معقول.
ما يمكن للمرء أن ينتقده هو أن العرق البشري قبل هذا الوقت.. وحتى اليوم.. لم يدرك حقيقة ما هى قوانين الحرب. هل كانت هنالك قاعدة آنذاك تفيد بعدم القصف وقتل وإحراق (100) ألف مدني حتى الموت في ليلة واحدة.
قال لوماي: إن خسرنا الحرب لحوكمنا جميعًا كمجرمي حرب. وأعتقد أنه كان محقًا. وأقول أنني وهو كنّا نتصرف كمجرمي حرب.
أقر لوماي بأن ما كان يفعله.. كان ليعتبر غير أخلاقي.. لو خسر جانبه في الحرب.. لكن ما الذي يجعله غير أخلاقي إن خسرت، وأخلاقي إن ربحت؟
* * *
2 مارس 1964
ليندون جونسون: أريدك أن تُملي علىّ مذكرة من بضع صفحات.. كلمات من أربعة أحرف.. وجمل قصيرة.. عن الوضع في فيتنام.. صورة فيتنام.
هذا الصباح، قال السيناتور سكوت: الحرب التي لا يمكننا الانتصار فيها أو خسارتها أو الانسحاب منها هى دليل عدم استقرار الأفكار.. سلسلة عائمة من الأحكام.. سياستنا المتمثلة في المصالحة المتوترة وهى مزعجة للغاية. هل تعتقد أنه من الخطأ شرح ما حدث في فيتنام وما يواجهنا؟
ماكينمارا: حسنًا.. أعتقد سيدي الرئيس أنه من الحكمة بالنسبة لك أو تصرح بأقل ما يمكن. الجواب الصريح هو: نحن لا نعرف ما الذي يجري هناك. الإشارات التي أراها تأتي عبر البرقيات إشارات مزعجة. إنها ظروف خاصة للغاية.
10 مارس 1964
ليندون جونسون: نحتاج إلى شخص هناك يعطينا خططًا أفضل مما لدينا. ما أحتاجه هو شخص يستطيع أن يضع خططًا للإيقاع بهؤلاء الرجال في أفخاخ.. والقضاء عليهم.. قتل البعض منهم.. هذا هو ما أريد فعله.
روبرت ماكينمارا: سوف أحاول الحصول على شئ يحقق ذلك الغرض.
في مرحلة ما.. علينا التحدث بشأن فيتنام.. وأريد أن أعرف كيف يمكنك أن تتحدث عن ذلك بأفضل وجه؟
حسنًا.. هذا سؤال صعب للغاية. أعتقد أن علينا عرض الأمر في سياق الحرب الباردة. لكن أولاً علىّ التحدث عن فورد.. على العودة إلى نهاية الحرب.
* * *
1945
كنت مصابًا بصداع فظيع.. لذا أوصلتني مارج (زوجته) إلى مستشفى السلاح الجو الإقليمي. بعد أسبوع.. دخلت مارج إلى المستشفى.. بالكثير من الأعراض عينها.. من الصعب تصديق ذلك.. ولا أعتقد أنني عرفت بحالة أخرى.. حيث فردان.. رجل وزوجته أصيبا في الوقت عينه بالتهاب سنجابية الدماغ. كان كلانا في المستشفى في اليوم المنتظر في الحرب.
قال أحد أصدقائي: سنجد شركة في أمريكا بحاجة إلى نصيحة وقدرات هذه المجموعة المذهلة التي أجمعها وستكون أنت جزءًا منها. قلت: اللعنة على ذلك.. سأعود إلى هارفارد. هذاهو ما أريده أنا ومارج.. سأمضي حياتي هناك.
قال: اسمع بوب.. تعجز عن دفع فاتورة المستشفى الخاصة بمارج.. أنت مجنون. قال: بالمناسبة، الشركة التي في أمس الحاجة لمساعدتنا في الولايات المتحدة هى فورد. قلت: كيف عرفت ذلك؟ قال: قرأت مقالًا في مجلة لايف. من بين المدراء الألف في فورد.. أعتقد أنه لم يكن هناك أكثر من (10) من خريجي الجامعة. وكان هنري فورد الثاني بحاجة إلى مساعدة.
كانوا سيجرون لنا اختبارات.. يومان كاملان من الاختبارات.. اختبارات ذكاء، وإنجازات، واختبارات للشخصية.. الخ. يبدو هذا سخيفًا.. لكن واحدًا من الأسئلة في أحد الاختبارات كان: أتفضل أن تكون بائع أزهار أم عاملاً في منجم فحم؟ بائع أزهار! لقد عملت كبائع أزهار في بعض عطلات عيد الميلاد. اخترت جواب عامل في منجم. وأعتقد أن الأسباب واضحة بالنسبة لك.
هذا الفريق المكون من(10) أشخاص تم تدريبه في كلية الضباط في هارفارد.. في بعض الامتحانات أحرزنا بالفعل أعلى الدرجات التي لم يحصل عليها أحد. في امتحانات أخرى، كنّا بين المائة الأوائل.
من 1926 وحتى 1946.. بما في ذلك سنوات الحرب.. كانت شركة فورد موتور بالكاد تجني المال. كانت حالتها مزرية.. شعرت بأننا مسئولون أمام أصحاب الأسهم.. ويعلم لله كم كانت الحالة سيئة..
* * *
الدرس السادس: احصل على البيانات
لم يكن لديهم قسم لأبحاث السوق.. أنشأت واحدًا. قال لي المدير: ماذا تريدني أن أدرس؟.. قلت: اعرف من الذي يشتري الفولكسفاجن. الجميع يقول إنها ليست سيارة جيدة. وهم يبيعون فقط ما يقرب من (20) ألف سيارة سنويًا.. لكنني أريد أن أعرف ما الذي سيحدث. هل سيبقى العدد كما هو أم سينخفض أم سيرتفع؟ اعرف من الذي يشتريها. عاد بعد ستة أشهر وقال: حسنًا.. إنهم الأساتذة والأطباء والمحامون. ومن الواضح أنهم أولئك الذين تخولّهم قدرتهم الشرائية لدفع المزيد.
حسنًا.. جعلني هذا أفكر فيما يلزمنا للصناعة.. هل هناك سوق قد فاتتنا؟ في تلك الفترة، لم يكن هناك من يعتقد أن الأمريكيين يريدون سيارات أرخص.. أرادوا استهلاكًا لافتًا للنظر.
كاديلاك ذات الزعانف الضخمة الملفتة.. حددت أسلوب الصناعة لمدة (10) أو (15) سنة.. وهذا ما كنّا نواجهه. قدمنا الفالكون بوصفها سيارة أكثر اقتصادية.. وقد لاقينا نجاحًا كبيرًا من حيث الربح. لقد حققنا الكثير.
قلت: ماذا عن الحوادث؟ أسمع عن كثير من الحوادث. قالوا: نعم.. سنحضر لك بعض البيانات عن ذلك..
كان معدل الوفيات جراء حوادث السيارات يقارب (40) ألف وفاة كل عام.. وبلغ عدد الإصابات مليون أو مليون و(200) ألف. قلت: ما الذي يتسبب في ذلك؟.. هذا واضح.. إنه الخطأ البشري والخلل الميكانيكي. قلت: إن كان خللًا ميكانيكيًا.. يمكننا أن نتدخل.. أريد جوابًا.. إن كان خللًا ميكانيكيًا.. أريد وضع حد له. قلت هذا.. قالوا: الإحصاءات المتوفرة قليلة للغاية.. قلت: اللعنة.. جدوا ما نستطيع أن نعرفه. قالوا: حسنًا المكان الوحيد حيث يمكننا أن نعرف كل شئ عن ذلك هو مختبرات كورنيل للملاحة الجوية.. قالوا إن المشكلة الرئيسية هى حزم الأغراض. قالوا إنك تشتري البيض وتعرف كم بيضة هنالك في العلبة. قلت: لا أشتري البيض.. زوجتى تفعل ذلك. قالوا: اسألها عندما تضع العلبة على المجلى.. عندما تصل إلى البيت.. هل ينكسر البيض؟.. سألت مارج وقالت لا.. قال كورنيل: إنها لم تنكسر لأنه قد تم حزمها بشكل صحيح. الآن.. إن وضعنا الناس في السيارات بالطريقة نفسها.. يمكننا خفض الضرر.
* * *
كنا نفتقر إلى المختبرات، لذا فقد أوقعنا الجماجم البشرية في مجموعات مختلفة.. عن الدرج في المهاجع في كورنيل. حسنًا.. يبدو هذا سخيفًا.. لكن الرجل كان محقًا تمامًا. إنه حزم الأغراض هو الذي قد يحدث الفرق. عند الاصطدام.. غالبًا ما كان السائق ينثقب جراء المقود.. وغالبًا ما كان الراكب يصاب نتيجة لاصطدامه بحاجب الريح.. أو عارضة الرأس.. أو لوحة الأجهزة. بالتالي في السيارة فورد موديل 1956 قدمنا المقود الذي يحول دون الثقب.. أطلقنا لوحات أجهزة محشوة، وأطلقنا أحزمة الأمان. قدرّنا أنه إن تم استخدام حزام الأمان بنسبة (100%).. يمكننا إنقاذ (20) ألف نفس سنويًا. اعترض الجميع على ذلك. لم يمكن إقناع الناس باستخدام أحزمة الأمان.. لكن هؤلاء الذين فعلوا أنقذوا حياتهم.
* * *
الآن.. سأتكلم عمّا حدث بعد ذلك. إنه يوليو 1960.. جون بوغاس.. نائب الرئيس.. المسئول عن العلاقات الصناعية.. كان يأمل بأن يصبح الرئيس. كنت نائب رئيس الفريق المسئول عن جميع أقسام السيارات. كان هنري مثل بوم الليل.. كان يرغب في الخروج دائمًا في الثانية فجرًا أوما شابه.. قال.. هيّا.. لنحتس الشراب.. قلت: لا أريد ذلك.. سآوي إلى الفراش.. قال جون: سآت هنري.. قال لم أسألك أنت.. لقد سألت بوب. قال: بوب.. هيّا اركب. وأخيرًا ركبت. عندئذ طلب مني أن أصبح الرئيس.
كنت أول رئيس في تاريخ الشركة.. يصبح رئيسًا وهو ليس من عائلة فورد.. وبعد خمسة أسابيع.. استقلت.
* * *
رن الهاتف.. أجاب شخص وقال: أنا روبرت كينيدي.. أخي جاك كينيدي يود أن تقابل صهرنا سيرجنت شرايفر. في الساعة الرابعة.. دخل سارج.. لم يكن قد التقيته من قبل. وقال: لقد فوضني صهري جاك كينيدي أن أعرض عليك منصب وزير المالية. قلت: أنت مجنون.. أعرف القليل عن المال.. لكنني لست مؤهلاً لهذا المنصب. قال: لقد توقع الرئيس المنتخب ردك هذا.. فخولني أن أعرض عليك منصب وزير الدفاع. قلت: شاركت في الحرب العالمية الثانية لمدة ثلاث سنوات.. لكن وزارة الدفاع!.. لست مؤهلاً لذلك. قال: لقد توقع ردك هذا.. ثم قال: ويسألك إن كنت توافق على مقابلته. عدت إلى المنزل وتحدثت مع مارج: إن كان لي أن أعين كل مسئول في الوزارة.. وإن حصلت على ضمانة بأنه لن يكون علىّ أن أصبح جزءًا من عالم واشنطن اللعين.. قالت: حسنًا، لمَ لا توقع عقدًا مع الرئيس، وإن قبل بهذه الشروط.. افعل ذلك.
كان مجموع أموالي الصافية قرابة (800) ألف دولار.. ولكنني كنت أملك أسهم ضخمة غير محققة تقدر بالملايين.. وكنت من أغلى المدراء في العالم.. وكان المستقبل باهرًا.
أحضرنا أولادنا.. سوف تتغيّر حياتهم بشكل كلىّ.. كان أجر الوزير آنذاك (25) ألف دولار سنويًا. لذا شرحنا لأولادنا أن عليهم التخلي.. لم يهتموا البتة.. ومارج لم تهتم..
* * *
كان الثلج يتساقط.. أوصلتني الخدمة السرية إلى المنزل من الطرق الخلفية.. ما زلت أذكر.. كان هناك أريكة صغيرة.. وكرسيان.. مع مصباح على منضدة بينهما. كان جاك كينيدي جالسًا على أحدهما.. وبوبي كينيدي جالسًا على الآخر.
سيدي الرئيس.. هذا عبث.. لست مؤهلاً..
اسمع بوب.. قال: لا أعتقد أن هناك مدرسة للرؤساء أيضًا. قال: لنعلن ذلك الآن.. سأكتب البيان. وكتب البيان.. وخرجنا من الباب الأمامي.
كل كاميرات التليفزيون والصحافة.. كان ذلك مذهلاً. وبهذه الطريقة علمت مارج أنني قبلت. بُث ذلك على التليفزيون مباشرة.
حسنًا.. هلّا نلتقط الصور فيما بعد. لقد طلبت من روبرت ماكينمارا أن يتولى مسئولية وزير الدفاع.. ويسرني أن أقول إنه قبل تلك المسئولية.. سيتخلى السيد ماكينمارا عن رئاسة شركة فورد.. وهذه تضحية شخصية عظيمة منه.
هكذا بدأ الأمر.. كانت فترة مخيفة.. أصيبت زوجتى بالقرحة - على الأرجح - جراء ذلك. وربما قضت نحبها في النهاية نتيجة التوتر.. أصيب ابني أيضًا بالقرحة.. كان ذلك مخيفًا للغاية.. لكن كانت هناك أفضل سنوات حياتنا.. وكل أفراد عائلتي استفادوا من ذلك. كان ذلك رائعًا.
* * *
1963
2 أكتوبر.. كنت قد عدت من فيتنام. في ذلك الوقت، كان لدينا (16) ألف مستشار عسكري. اقترحت على الرئيس كينيدي ومجلس الأمن وضع خطة وهدف بغيّة إبعادهم جميعًا في غضون سنتين.
كينيدي: الميزة في إبعادهم هى؟
ماكينمارا: يمكننا أن نقول للكونجرس والشعب إن لدينا خطة لتقليل ظهور أفراد القتال الأمريكي
كينيدي: تحفظي الوحيد على ذلك هو أنه إن لم تستمر الحرب بشكل جيد.. سيبدو أننا أفرطنا في التفاؤل.
ماكينمارا: تلزمنا طريقة للخروج من مأزق فيتنام، وهذه طريقة لفعل ذلك.
أعلن كينيدي عن سحب كل المستشارين العسكريين بنهاية عام 1965، وعن سحب ألف بنهاية 1963 وقد فعل ذلك. لكن.. حدث انقلاب في فيتنام الجنوبية.. أطيح بـ"ديم".. وقُتل هو وأخوه.
كنت حاضرًا مع الرئيس عندما وردتنا معلومات عن هذا الانقلاب.. لم أره قط مستاءً أكثر من ذلك.. شحب لونه تمامًا. كان لدينا والرئيس كينيدي الكثير من المشكلات مع "ديم".. ولكن يا إلهي.. لقد كان يمثل السلطة.. كان رئيس البلاد.. وقد أطيح به في انقلاب عسكري. وكان كينيدي وأنا نعرف أنه إلى حد ما.. كانت الحكومة الأمريكية مسئولة عن ذلك.
* * *
كنت في مكتبي في البنتاجون.. عندما رن جرس الهاتف.. وكان بوبي.. أطلق النار على الرئيس في دالاس. ربما بعد مضى 45 دقيقة، اتصل بوبي مرة أخرى، وقال إن الرئيس مات. كانت جاكي تود أن أذهب إلى المستشفى.. أخذنا الجثمان إلى البيت الأبيض في حوالي الساعة الرابعة فجرًا.. واتصلنا بالقائم على مقبرة أرلنجتون.. وسرت أنا وهو على تلك الأرض.. كانت أرضًا جميلة للغاية.. صفوف من الصلبان البيضاء.. وأخيرًا اعتقدت أنني قد وجدت البقعة المناسبة.. أجمل بقعة في المقبرة.
اتصلت بجاكي في البيت الأبيض.. وطلبت منها الحضور إلى هناك.. وافقت هى على الفور. والرئيس مدفون هناك اليوم.. قصدني حارس الحديقة.. وقال لي إنه قد رافق الرئيس كينيدي في جولة في هذه الأراضي قبل أسابيع قليلة. وقال كينيدي إنها أجمل بقعة في واشنطن. وهو مدفون هناك.
* * *
25 فبراير 1964
جونسون: مرحبا.. بوب؟
ماكينمارا: أجل سيدي الرئيس
جونسون: لا أود تغيير خطابك لأنه كان جيدًا.. لكنني أاتسائل إن كان هناك دقيقتان للتحدث بشأن فيتنام..
ماكينمارا: المشكلة هى ما يمكن قوله عن ذلك.
جونسون: سوف أخبرك ما كنت سأقول في هذا الموضوع.. كنت لأقول إن لدينا التزام تجاه حرية فيتنام.. بإمكاننا الانسحاب من هناك.. لكن الأمور ستنهار.. وسيؤول هذا الجزء من العالم إلى الشيوعيين. يمكننا إرسال قوات المارينز إلى هناك.. وخوض حرب عالمية ثالثة أو مواجهة تحرك كوري آخر. لا أحد يفهم ما يجري هناك فعليًا. ويطرحون الأسئلة، ويقولون لمَ لا نقوم بالمزيد؟ أعتقد أنه يمكنك أن تحصل على مزيد من الحرب أو مزيد من التهدئة.. لكننا لا نريد أي من الأمريْن. هدفنا هو تدريب هؤلاء الناس.. والتدريب يسير على ما يرام. لطالما اعتقدت أنه من الغباء من قبلك للإدلاء بأي تصريحات حول الانسحاب. أعتقد أنه أمر سئ من الناحية النفسية. لكنك والرئيس كنتما تعتقدان العكس.. وقبعت دون تحريك ساكن.
ماكينمارا: المشكلة هى...
جونسون: ثم تأتي الأسئلة: كيف بحق الجحيم يعتقد ماكينمارا أنه عندما يخسر الحرب، يمكنه سحب الرجال من هناك؟
9 يونيو1964
ماكينمارا: إذا ذهبت إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية وقلت: كيف هو الوضع اليوم في فيتنام الجنوبية؟ أعتقد سوف يقولون: إنه أسوأ. إنك ترى ذلك في نسبة الفرار، وفي المعنويات.. وفي صعوبة تجنيد أشخاص.. ترى ذلك في الفقدان التدريجي للسيطرة على الشعب. كثيرون منّا ليقولوا في السر إن الأمور ليست جيدة.. إنها تسوء. الآن، في حين نقول ذلك سرًا وليس علنًا.. ثمة وقائع تصل إلى الصحافة. إن كنّا سنبقى هناك، إن كنّا سنجاري الأمور، علينا تثقيف الشعب، ونحن لم نفعل ذلك بعد سيدي الرئيس. لست متأكدًا من أن الآن هو الوقت المناسب
جونسون: لا، وأعتقد أنك إن بدأت في فعل ذلك سوف يصرخون "إنك داعي حرب"
ماكينمارا: أوافقك الرأي تمامًا
الدرس السابع: غالبًا ما يكون كل من الإيمان والرؤية خاطئين
2 أغسطس 1964
في الثاني من أغسطس.. أبلغت المدمرة مادوكس بأنها تعرضت للهجوم من قبل قارب دورية من فيتنام الشمالية. كان اعتداء علينا.. وكنّا في مياه دولية. أرسلت مسئولين من وزرة الدفاع.. وأحضرنا شظايا لم نستطع تحديد هويتها.. من على سطح مادوكس.. لذلك لم يساورني شك حيال ما حدث.. لكن بأي حال.. لم نقم بالرد. لقد كان أمرًا صعبًا للغاية.. كان صعبًا على الرئيس. مسئولون مهمون جدًا وغيرهم من غير المسئولين قالوا: "يا إلهي.. هذا الرئيس...".. لم يستخدموا كمة "جبان".. وإنما في الواقع قالوا: "...لا يحمي المصلحة الوطنية"
4 أغسطس 1964
بعد مضى يومين، المدمرتان مادوكس وتورنر جوي أبلغتا عن تعرضهما للهجوم..
جونسون: من أين تأتي هذه التوربيدات؟
ماكينمارا: لا نعلم، على الأرجح من هذه الطائرة مجهولة الهوية..
كانت هناك مسبارات سونارية.. وتم كشف وجود توربيدات.. ومؤشرات أخرى على هجمات من قوارب دوريات. أمضينا ما يقرب من (10) ساعات في ذلك اليوم نحاول أن نعرف ماذا حدث. في مرحلة ما.. قال قائد السفينة: لسنا متأكدين من الهجوم. وفي مرحلة أخرى.. قالوا: نحن متأكدون.
وفي النهاية، في وقت متأخر من اليوم، قال الأدميرال شارب: نعم.. نحن متأكدون من أن ذلك قد حدث. فأبلغت جونسون بذلك، ونتيجة لذلك تم قصف أهداف في فيتنام الشمالية.
قال جونسون: ربما علينا تصعيد الأمور.. ولن أفعل ذلك من دون سلطة من الكونجرس".. واتخذ قرارًا يمنح الرئيس سلطة كاملة لخوض الحرب.. قرار خليج تونكن.
الآن سأعود إلى هجوم 4 أغسطس
الأدميرال شارب: من الواضح أن لدينا على الأقل 9 توربيدات في الماء.. كلها أخطأت الأهداف..
الجنرال بورشينال: نعم
أدميرال شارب: لست متأكدًا من هذا الرقم.. علينا أن نتحقق منه هنا.
بعد 97 دقيقة
أدميرال شارب: قال أدميرال مور إن عددًا من التقارير المرفوعة بشأن التوربيدات التي تم إطلاقها مشكوك فيها، تأثيرات الطقس السئ على الرادار، ورجال السونار المتحمسون قد يكونوا هم المسئولون عن كثير من القارير.
جنرال بورشينال: حسنًا سأخبر السيد ماكينمارا بذلك
أدميرال شارب: هذا أفضل ما يمكنني تقديمه لك ديف.. آسف
بعد مضى 9 دقائق
أدميرال شارب: يبدو أن كثيرًا من هجمات التوربيدات تلك من عاملي السونار.. إنهم يتحمسون بشئ صغير كهذا.. وكل ما يسمعونه على السونار هو توربيدو..
جنرال بورشينال: ولكن هل أنت متأكد من حدوث هجوم توربيدو؟
أدميرال شارب: ما من شك في ذلك.. على ما أعتقد
كان الارتباك سائدًا.. وأظهرت الأحداث التالية أن تقديرنا بأننا قد تعرضنا للهجوم في ذلك اليوم كان خاطئًا. لم يحدث. وتقديرنا بأننا تعرضنا للهجوم في الثاني من أغسطس كان صائبًا. لقد تعرضنا للهجوم. بالرغم من أن ذلك كان موضع خلاف في ذلك الوقت. إذًا كنّا محقين مرة ومخطئين أخرى.
في النهاية، سمح الرئيس جونسون بالقصف ردًا على ما اعتقد أنه هجومًا ثانيًا. لم يحدث ذلك.. لكن هذا لا علاقة له بمغزي حديثي الآن. هو سمح بالهجوم بناءً على فرضية حدوث ذلك.. واعتقاده بأن هذا هو قرار واع.. وتصعيد الصراع من جانب القادة السياسيين والعسكريين في فيتنام الشمالية.. ومؤشر كونهم لن يتوقفوا حتى يفوزوا. كنّا على خطأ. ولكننا كنّا نفكر في اعتقاد أدى إلى هذا التحرك. ونجم عن ذلك خسائر جمّة.
كنّا نري الأمور بشكل غير صحيح.. أو نرى نصف القصة فقط في بعض الأحيان..
إننا نرى ما نود تصديقه.. إننا نرى ما هو حق تمامًا.. إن الاعتقاد والرؤية غالبًا ما يكون كلاهما خطأ.
* * *
لقد أطلقنا ما أسميناه الرولنج ثاندر (ترجمة: الرعد المتجدد).. الذي أصبح بمرور السنوات برنامجًا مكثفًا جدًا للقصف.. يفوق عدد القنابل التي ألقيت على أوروبا الغربية على مدار الحرب العالمية الثانية مرتين أو ثلاث.
ماكينمارا: ليست مشكلة عسكرية بالأساس.. إنها معركة لقلوب وعقول شعب فيتنام الجنوبية.. وعلينا ضمان سلامتهم الجسدية..
26 فبراير 1965
جونسون: لقد انطلقنا لقصف هؤلاء الأشخاص.. لقد تجاوزنا تلك العقبة.. أصبحت المباراة الآن في الجولة الرابعة.. والنتيجة 78 مقابل صفر تقريبًا.. إنني مرتعب حيال إشراك القوات البرية.. لكنني أكثر خوفًا من خسارة مجموعة من الطائرات بسبب نقص الأمن..
ماكينمارا: وأنا كذلك
6 مارس 1965
جونسون: إن التأثير النفسي لجملة "المارينز قدمون" سوف يصبح تأثيرًا سيئًا.. وأعرف أن كل أم سوف تقول "كفي". ما فعلناه بتلك الطائرات (B-57) سيكون تافهًا جدًا مقارنة بالمارينز.
جوابي هو نعم.. لكن تقديري هو لا
ماكينمارا: سوف نتولى أمر ذلك سيدي الرئيس
جونسون: متى ستقوم بإصدار الأمر؟
ماكينمارا: سوف أصدره في وقت متأخر اليوم.. حتى يتأخر عن بعض الإصدارات الصحفية الصباحية. سأتولى الأمر بطريقة تحد من إشاعة الخبر.
10 يونيو 1965
ماكينمارا: أوصى جنرال ويستمورلاند بعشر كتائب إضافية إلى جانب الثلاث عشرة كتيبة التي اعتمدتها بالفعل.. شئ يقارب (45) ألف رجل. إنني أقترح خمس كتائب بقوة تقدر بـ(25) ألف رجل تقريبًا.. لأنه برأي، لدي قيود محددة على الالتزام. ولا أعتقد أن رؤساء الأركان لديهم الرأي نفسه. في الحقيقة، أعرف أنهم لا يفعلون ذلك.
10 يونيو1965
جونسون: ما من إنسان يعتقد أن (50) ألفًا أو (100) ألف أو(150) ألف سوف يضعون حدًا لهذه الحرب. إننا لن ننسحب، لكننا سنحاول الحفاظ على ما حصلنا عليه. نحن نخسر.
ماكينمارا: الانطباع الذي يساورني هو أننا لم نعد نخسر الحرب. نعتقد أن شعب فيتنام الشمالية لديهم 9 أفواج من الجيش.. بعض الرجال تدربوا قليلاً في حديقة في كنتاكي قبل الحضور إلى هنا. لكن هذا لم يعدُّهم بسبب كثافة الأشجار والأشواك والأجمة.. والتلال الوعرة.. وحرارة تصل إلى 90 درجة.. والحشرات.. لقد تغيرت الحرب من حربًا صغيرة إلى حرب بغيضة متوسطة الحجم.
شخص آخر: لا يزال الفيتناميون يقومون بمعظم أعمال القتال ويحظون بمعظم القتلى
ماكينمارا: لكن أسبوعًا تلو الآخر.. يرتفع عدد الضحايا الأمريكيين.
2 ديسمبر 1965
ماكينمارا: ازدادت قناعتي أكثر وأكثر بأن علينا إيجاد طريقة أخرى غير التحرك العسكري كبرنامج وحيد هنا.
أعتقد إن فعلنا ذلك بحد ذاته، سيكون انتحارًا.
أعتقد أن دفع (300) أو (400) ألف أمريكي إلى هناك بدون ضمان لما ستؤول إليه الأمور.. مخاطرة كبيرة بتكلفة فادحة.
* * *
سأعود إلى الوراء قليلاً.. في أزمة الصواريخ الكوبية.. في نهاية الأمر.. أعتقد أننا وضعنا أنفسنا موقف السوفييت. أما في حالة فيتنام.. لم نعرفهم بالقدر الكافي لنتعاطف معهم. ونتيجة لذلك.. حدث سوء تفاهم غير محتمل. لقد اعتقدوا أننا حللنا محل الفرنسيين كقوة مستعمرة.. وأننا نسعى لإخضاع فيتنام الجنوبية والشمالية لمصالحنا الاستعمارية.. وقد كان ذلك عبثيًا تمامًا. ونحن اعتبرنا فيتنام أحد عناصر الحرب الباردة. ليس كما اعتبروها هم.. أنها حربًا أهلية.
ليس هناك الكثير من الأمثلة.. حيث تجمع عدوين سابقين سويًا.. على أعلى المستويات لمناقشة ما قد يكون وقع بالفعل.
توصلت إلى استنتاج وهو أن كلاً منّا كان ليحقق أهدافه بدون الخسائر الفظيعة في الأرواح. وأردت اختبار ذلك بزيارة فيتنام. وزير خارجية فيتنام السابق.. كان رجلاً رائعًا يدعى تاك.. قال: أنتم على خطأ تمامًا.. كنّا نحارب للحصول على الاستقلال.. وكنتم تحاربون لاستعبادنا. كدنا أن نتصادم.. كانت ظهيرة اليوم الأول..
قلت له: هل تعني أنها لم تكن مأساة بالنسبة لكم عندما خسرتم (3) مليون و(400) ألف فيتنامي تم قتلهم.. والذين هم بحسب قاعدتنا السكانية يقدرون بـ(27) مليون أمريكي؟ ماذا حققتم؟ لم تحصلوا على أكثر مما كنّا مستعدين لإعطائكم إياه منذ بداية الحرب. كان بإمكانكم الحصول على كل ذلك: الاستقلال والوحدة..
قال: سيد ماكينمارا.. لابد أنك لم تقرأ كتابًا للتاريخ أبدًا.. لو فعلت، لعرفت أننا لم نكن بيادق في يد الصينيين أو الروس. ألم تعرف ذلك؟ ألا تفهم أننا نحارب الصينيين منذ ألف عام؟ كنّا نحارب من أجل الاستقلال، سوف نحارب حتى آخر رجل. كنّا عاقدين العزم على ذلك.. ومهما تعرضنا للقصف أو الضغط من الولايات المتحدة.. ما كان ليوقف ذلك.
* * *
الدرس الثامن: كن مستعدًا لإعادة النظر في تفكيرك
ما الذي يجعلنا عظماء؟ هل حطمنا رقمً قياسيا في العظمة؟
نحن أقوى أمة في العالم اليوم. لا أعتقد أن علينا أبدًا أن نطبق هذه القوى الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية بشكل منفرد. لو كنّا طبقنا تلك القاعدة على فيتنام ما كنّا ذهبنا إلى هناك. لم يدعمنا أىٌّ من حلفائنا.. لا اليابان، أو ألمانيا، أو بريطانيا، أو فرنسا.
إن كنا عاجزين عن إقناع البلاد ذات القيم المشابهة بنبل قضيتنا.. من الأفضل أن نعيد النظر في تفكيرنا..
إلى مدى شعرت بأنك الرأس المدبر.. أو كنت أداة لإدارة أمور خارجة عن سيطرتك؟
حسنًا لا أعتقد أنني شعرت بأى من ذلك. شعرت وحسب أنني أنفذ ما يطلبه الرئيس الذي انتخبه الشعب الأمريكي. وكانت مسئوليتي أن أحاول مساعدته.. ليقوم بمهامه التي برأى تخدم مصالح الشعب الأمريكي
ما هو الملائم أخلاقيًا في بيئة الحرب؟ دعني أعطيك مثالً توضيحيًا.. عندما كنت وزيرًا.. استخدمنا ما يسمى العامل البرتقالي في فيتنام.. وهى مادة كيميائية تسقط الأوراق عن الأشجار.. بعد الحرب تم الزعم بأنها مادة كيميائية سامة.. وأنها ودت بحياة الكثيرين من الجنود والمدنيين الذين تعرضوا لها. هل كان هؤلاء الذين وافقوا على استخدام العامل البرتقالي مجرمين؟ هل كانوا يرتكبون جريمة بحق الإنسانية؟
لنلق نظرة على القانون. ما هو نوع القانون الذي يقول بأن هذه المواد الكيميائية مصرح باستخدامها في الحرب وتلك لا. ليست لدينا تعريفات صريحة من هذا النوع. ما كنت لأسمح قط بعمل غير مصرح به وغير قانوني. لست متأكدًا من أنني سمحت باستخدام العامل البرتقالي.. لا أذكر ذلك. لكنه بلاشك قد حدث.. تم استخدامه أثناء ولايتي المنصب.
* * *
الدرس التاسع: لكى تفعل الخير، قد تنخرط في الشر
كان نورمان موريسون أحد أعضاء جماعة بورتستانتية.. كان معارضًا للحرب.. عنف الحرب.. القتل. جاء إلى البنتاجون، وسكب الوقود على نفسه.. أحرق نفسه حتى الموت أسفل مكتبي.. كان يحمل طفلة بين ذراعيه.. ابنته.
صرخ المارة.. أنقذوا الطفلة.. ألقى الطفلة من ذراعيه.. ونجت الطفلة.. ولاتزال على قيد الحياة. أدلت زوجته بتصريح مؤثر للغاية: "على البشر الكفّ عن قتل غيرهم من البشر". وكنت أشاركها هذا المعتقد. كان هذا معتقدي آنذاك ولازلت أومن به أكثر اليوم.
كم من الشر علينا أن نرتكب حتى نحقق الخير؟
لدينا مبادئ محددة.. لدينا مسئوليات محددة. إننا ندرك بمرور الوقت بأن علينا الانخراط في الشر ولكن علينا تقليصه.
لاأزال أذكر انني قرأت أن الجنرال شيرمان في الحرب الأهلية.. طلب منه عمدة أتلانتا أن ينقذ المدينة.. وقال شيرمان للعمدة: قبل أن تضرم فيها النيران وتحرقها.. الحرب قاسية.. الحرب قسوة. كان هذا هو شعور لوماي. لقد كان يحاول إنقاذ البلاد .. كان يحاول إنقاذ أمتنا.
The Fog of War, Robert S. McNamara, U.S. Secretary of Defense
The Best Website For Research And Strategic Studies